مقارنة بين مشاريع المدن الذكية: ذا لاين vs دبي الذكية

 

مقدمة: المدن الذكية في الخليج – سباق نحو المستقبل

تشهد الخليج العربي سباقًا متسارعًا نحو التحول الرقمي والمدن الذكية، حيث تتصدر كل من المملكة العربية السعودية والإمارات قائمة الدول المستثمرة بقوة في المستقبل الحضري. في قلب هذه المنافسة، يبدو مشروع ذا لاين – جزء من نيوم – حلمًا طموحًا لبناء مدينة عمودية بطول 170 كم تعمل بالطاقة المتجددة، لكنها تعاني من تأخيرات وتحديات مالية بعد تسجيل نحو 2.5 كم من الإنشاء فقط حتى الآن .

من ناحية أخرى، حققت دبي قفزة نوعية في مؤشر IMD Smart City 2025، حيث حلت بالمرتبة الرابعة عالميًا، مدعومة بتوسيع إشراك الـAI، الانتقال نحو المدن الورقية المجانية، وشبكة 5G+ تنتشر على نطاق واسع.

في هذه المقالة، سنحلل هذين المشروعين عبر عشرة محاور رئيسية تجمع بين رؤية مستقبلية وواقع تنفيذي، لنعرف أيهما أقرب لتحقيق الحلم التكنولوجي في الخليج. 

ما هي مدينة ذا لاين؟ نظرة على رؤية السعودية للمدن المستقبلية 

تُعد ذا لاين إحدى أكثر المشاريع الطموحة ضمن رؤية السعودية 2030، حيث تهدف لبناء مدينة ذكية بطول 170 كيلومترًا بدون سيارات أو انبعاثات كربونية. تعتمد المدينة على تصميم خطي فريد، يتيح لجميع السكان الوصول إلى الخدمات في غضون 5 دقائق سيرًا على الأقدام، والتنقل الكامل من طرف إلى آخر خلال 20 دقيقة عبر قطار فائق السرعة. وحسب تحديثات أبريل 2025، أظهرت صور جوية أن أعمال الحفر والبنية التحتية شملت حوالي 2.4 كم من الهيكل المركزي، في حين يُتوقع أن يبدأ البناء العمودي في أواخر السنة الحالية.

رغم أن ذا لاين ما زالت في مراحلها الأولى، إلا أنها ترمز إلى التحوّل الجذري في طريقة تفكير المدن، حيث يتم دمج الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والحوكمة الرقمية ضمن تصميم عمراني مبتكر. التحديات لا تزال قائمة، أبرزها الكلفة العالية والجدول الزمني الطويل، لكن المشروع يمثل نقطة تحول في تطور المدن الذكية عالميًا، وقد يكون مستقبل التخطيط الحضري إذا نجح فعلاً. 

دبي الذكية: كيف تحولت دبي إلى نموذج عالمي للمدن الذكية؟ 

تواصل دبي الذكية ترسيخ مكانتها كإحدى أنجح المدن الذكية عالميًا، بعدما احتلت المركز الرابع في تصنيف IMD Smart City Index 2025، متفوقة على مدن كبرى مثل سنغافورة وسيول. تعتمد دبي على استراتيجية "مدينة بلا ورق" التي نجحت في رقمنة كافة الخدمات الحكومية، مما وفر ملايين الساعات والمصاريف على المؤسسات والمواطنين. وقد أصبح تطبيق "Dubai Now" مثالًا حيًا على التحول الرقمي في دبي، حيث يُمكّن المستخدمين من الوصول إلى أكثر من 130 خدمة ذكية في مكان واحد. 

  كما تعزز دبي من مكانتها في مجال التنقل الذكي من خلال مشاريع مثل التاكسي الجوي، المنتظر تشغيله خلال 2026، ومشروع "Dubai Loop" الذي يتم تطويره بالتعاون مع شركة "The Boring Company" لنقل الركاب عبر أنفاق بسرعة فائقة. هذه الابتكارات تجعل من دبي مدينة ذكية حقيقية وليست مجرد تصور نظري، ما يضعها في موقع ريادي مقارنة بمشاريع أخرى لا تزال قيد التنفيذ مثل "ذا لاين". 

التصميم المعماري: ذا لاين العمودية مقابل دبي الأفقية الذكية 

  يعكس التصميم المعماري لكل من ذا لاين ودبي الذكية فلسفتين مختلفتين في بناء المدن المستقبلية. تعتمد ذا لاين على نموذج فريد من نوعه يتمثل في مدينة عمودية ممتدة بطول 170 كم وعرض 200 متر فقط، ومغطاة بواجهة عاكسة بالكامل، مما يجعلها واحدة من أكثر المشاريع المعمارية طموحًا في التاريخ. يُروج لهذا التصميم كحل ثوري لتحقيق الاستدامة الحضرية وكفاءة استخدام المساحة، إذ يُخطط أن تضم المدينة 9 ملايين نسمة ضمن هيكل رأسي متكامل. 

  في المقابل، تتبنى دبي الذكية مفهوم المدن الأفقية المتطورة، حيث تنتشر البنية التحتية الرقمية والخدمات الذكية عبر أحياء متعددة دون الحاجة إلى إعادة تعريف شكل المدينة بالكامل. يتم دمج الذكاء الاصطناعي والإنترنت عالي السرعة والبيانات الضخمة في كل تفاصيل التصميم الحضري، مع المحافظة على النسيج المعماري المتناسق والمعروف عالميًا. ويُعتبر هذا النموذج أكثر قابلية للتنفيذ والتوسع على المدى القريب. 

البنية التحتية الرقمية: من الذكاء الاصطناعي إلى الإنترنت المتكامل 

  تعتبر البنية التحتية الرقمية العمود الفقري لأي مدينة ذكية، وفي هذا المجال تظهر اختلافات جوهرية بين مشروع ذا لاين ومدينة دبي الذكية. تعتمد ذا لاين على تصميم رقمي متكامل مبني على الذكاء الاصطناعي لتوفير خدمات متقدمة، مثل المراقبة الذكية، إدارة الطاقة، والنقل المستدام، ضمن شبكة رقمية موحدة تدعم جميع أنشطة المدينة. كما تسعى المدينة إلى توظيف أحدث تقنيات الإنترنت عالي السرعة مثل 5G والألياف الضوئية لضمان اتصال مستمر وفعال بين السكان والبنية التحتية. 

  على الجانب الآخر، تتمتع دبي الذكية ببنية تحتية رقمية متطورة وقائمة بالفعل، تستفيد من شبكة واسعة النطاق من خدمات الإنترنت فائق السرعة، وشبكات 5G+ المنتشرة في معظم أنحاء المدينة. تُستخدم هذه البنية لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحوكمة، الأمن، التنقل، والخدمات الصحية، مما يجعل دبي نموذجًا عمليًا متقدمًا في تطبيق التكنولوجيا الذكية. كما تستثمر دبي في توسيع شبكات إنترنت الأشياء (IoT) لتعزيز التكامل بين الأجهزة والخدمات في الوقت الحقيقي. 

الاستدامة البيئية: كيف تدير ذا لاين ودبي الذكية الطاقة والمياه؟ 

  تعتبر الاستدامة البيئية من أهم ركائز مشاريع المدن الذكية الحديثة، حيث يهدف كل من مشروع ذا لاين ودبي الذكية إلى تقليل الأثر البيئي وتحقيق استخدام فعال للموارد. تعتمد ذا لاين على مفهوم مدينة خالية من الانبعاثات الكربونية، حيث تعمل بالكامل بطاقة متجددة من مصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. التصميم العمودي يقلل من استهلاك الأراضي، ويهدف إلى إدارة ذكية للمياه والنفايات باستخدام تقنيات متقدمة لإعادة التدوير وتقليل الهدر. 

  أما دبي الذكية، فقد اتخذت خطوات ملموسة في تحقيق الاستدامة من خلال استراتيجيات المدن الخضراء، مثل مبادرات لترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة في المباني الحكومية والخاصة. كما تستخدم دبي تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة الهواء وتحليل البيانات البيئية في الوقت الحقيقي، مما يساهم في تحسين جودة الحياة وتقليل الانبعاثات الضارة.

التنقل الذكي: أنظمة النقل في ذا لاين ودبي.  

 

  يُعتبر التنقل الذكي من أهم عوامل نجاح المدن الذكية، حيث يسعى كل من مشروع ذا لاين ودبي الذكية إلى توفير حلول نقل متطورة ومستدامة تضمن سرعة وكفاءة الحركة داخل المدينة. في ذا لاين، يعتمد التنقل على شبكة قطارات فائقة السرعة تمتد على طول المدينة الخطية، مما يمكن السكان من التنقل بين أجزائها خلال 20 دقيقة فقط، دون الحاجة إلى سيارات خاصة، مما يقلل من الانبعاثات والتلوث. 

  في المقابل، توفر دبي منظومة نقل ذكية متعددة تشمل السيارات الكهربائية، التاكسي الجوي، والحافلات ذاتية القيادة، مدعومة بأنظمة ذكية لإدارة المرور وتخطيط المسارات. كما تعمل دبي على مشاريع مثل "Dubai Loop" الذي يوفر شبكة نفق تحت الأرض للنقل السريع، إضافة إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين تدفق المرور وتقليل الازدحام. 

الخدمات الحكومية الذكية: مقارنة بين السعودية والإمارات 

  تلعب الخدمات الحكومية الذكية دورًا رئيسيًا في تعزيز جودة الحياة وتسهيل الوصول إلى الخدمات في المدن الذكية. في مشروع ذا لاين، يُتوقع اعتماد نظام رقمي متكامل يتيح للسكان إنجاز معظم معاملاتهم عبر منصات إلكترونية متطورة، مع التركيز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتحسين الخدمات المستقبلية. 

  أما في دبي الذكية، فقد أصبحت الخدمات الحكومية الرقمية حقيقة ملموسة، حيث توفر أكثر من 130 خدمة حكومية عبر تطبيقات مثل "Dubai Now"، مما يقلل من الحاجة للمعاملات الورقية ويختصر الوقت والجهد. وتستخدم الحكومة الإماراتية الذكاء الاصطناعي لتعزيز الشفافية، الأمان، وتحسين تجربة المستخدم، ما يجعلها نموذجًا رائدًا في الحوكمة الرقمية على مستوى العالم العربي. 

الاستثمارات والتكلفة: من يمول المستقبل – نيوم أم دبي؟ 

  يُعد تمويل مشاريع المدن الذكية من أكبر التحديات التي تواجهها الحكومات، حيث تتطلب مثل هذه المشاريع استثمارات ضخمة وتخطيط مالي دقيق. مشروع ذا لاين في السعودية يحظى بدعم مالي هائل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، حيث خصص أكثر من 50 مليار دولار لتطوير المشروع حتى الآن، مع توقعات بتجاوز الميزانية مع تعقيدات التنفيذ والتحديات التقنية، مما أدى إلى تأجيل بعض المراحل (Wall Street Journal).  

 

  في المقابل، تعتمد دبي الذكية على مزيج من التمويل الحكومي والاستثمارات الخاصة، مع سياسة جذب المستثمرين العالميين ودعم ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا. وتتميز دبي ببيئة استثمارية محفزة تسمح بسرعة تنفيذ المشاريع التقنية وخفض التكلفة النسبية، مما يجعل من تحولها الرقمي قصة نجاح مستدامة. 

من الأقرب لتحقيق الحلم الذكي؟ مقارنة شاملة بين ذا لاين ودبي الذكية 

  بينما يُعد مشروع ذا لاين رؤية مستقبلية طموحة تحمل وعودًا بتغيير جذري في مفهوم المدينة المستدامة، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات تنفيذية ومالية كبيرة قد تؤخر تحقيق أهدافه على المدى القصير والوسط. التصميم العمودي، واعتماد الطاقة المتجددة، واستخدام الذكاء الاصطناعي كلها عناصر ثورية، لكن التطبيق العملي يتطلب وقتًا وخبرة ضخمة. 

  في المقابل، تقدم دبي الذكية نموذجًا متكاملًا وواقعيًا يُطبق حاليًا، مع نتائج ملموسة في تحسين جودة الحياة، تسهيل الخدمات، وتطوير البنية التحتية الرقمية، مما يجعلها رائدة في الشرق الأوسط على صعيد المدن الذكية. الاستثمارات المتوازنة والبيئة التشريعية المشجعة ساعدتا دبي في تسريع خطواتها نحو التحول الرقمي. 

المقارنة بين ذا لاين ودبي الذكية، مستقبل المدن الذكية في الخليج، تنفيذ مشاريع المدن الذكية، الذكاء الاصطناعي والاستدامة، دبي الذكية رائدة، تحديات ذا لاين